SAHIH BUKHARI
If font appears incorrect Click View, Encoding, then choose Arabic
Home                                                                                                                   المجلد السابع.
بقية كِتَاب الْمَنَاقِبِ.
باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ.

الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَأَنَا لَكَ جَارٌ ارْجِعْ
وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يَعْجَبُونَ
مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ
الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ قَالَ نَعَمْ فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ قَالَتْ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّمَنِ
قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قَالَتْ ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ
تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيَا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ
قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَالَ سُرَاقَةُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنْ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالَ أَخْفِ عَنَّا فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنْ الشَّأْمِ فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ
فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمْ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتْ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ
النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا لَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ فَارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ
الشرح:
قوله: (لم أعقل أبوي) يعني أبا بكر وأم رومان.
قوله: (يدينان الدين) بالنصب على نزع الخافض أي يدينان بدين الإسلام، أو هو مفعول به على التجوز.
قوله: (فلما ابتلي المسلمون) أي بأذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة كما تقدم بيانه.
قوله: (خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة) أي ليلحق بمن سبقه إليها من المسلمين، وقد قدمت أن الذين هاجروا إلى الحبشة أولا ساروا إلى جدة وهي ساحل مكة ليركبوا منها البحر إلى الحبشة.
قوله: (برك الغماد) أما برك فهو بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف وحكي كسر أوله، وأما الغماد فهو بكسر المعجمة وقد تضم وبتخفيف الميم، وحكى ابن فارس فيها ضم الغين، موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن.
وقال البكري: هي أقاصي هجر، وحكى الهمداني في أنساب اليمن: هو في أقصى اليمنى، والأول أولى.
وقال ابن خالويه حضرت مجلس المحاملي وفيه زهاء ألف، فأملى عليهم حديثا فيه: " فقالت الأنصار لو دعوتنا إلى برك الغماد " قالها بالكسر، فقلت للمستملي: هو بالضم، فذكر له ذاك، فقال لي: وما هو؟ قلت: سألت ابن دريد عنه فقال: هو بقعة في جهنم.
فقال المحاملي: وكذا في كتابي على الغين ضمة.
قال ابن خالويه وأنشد ابن دريد:
وإذا تنكرت البلاـ*ـد [البلاد] فأولها كنف البعاد
واجعل مقامك أو مقرـ*ـك [مقرك] جانبي برك الغماد
لست ابن أم القاطنـ*ـين [القاطنين] ولا ابن عم للبلاد
قال ابن خالويه: وسألت أبا عمر - يعني غلام ثعلب - فقال: هو بالكسر والضم موضع باليمن، قال وموضع باليمن أوله بالكسر لكن آخره راء مهملة، وهو عند بئر برهوت الذي يقال إن أرواح الكفار تكون فيها ا ه واستبعد بعض المتأخرين ما ذكره ابن دريد فقال: القول بأنه موضع باليمن أنسب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعوهم إلى جهنم.
وخفي عليهم أن هذا بطريق المبالغة فلا يراد به الحقيقة، ثم ظهر لي أن لا تنافي بين القولين، فيحمل قوله: جهنم على مجاز المجاورة بناء على القول بأن برهوت مأوى أرواح الكفار وهم أهل النار.
قوله: (ابن الدغنة) بضم المهملة والمعجمة وتشديد النون عند أهل اللغة، وعند الرواة بفتح أوله وكسر ثانيه وتخفيف النون، قال الأصيلي وقرأه لنا المروزي بفتح الغين، وقيل: إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه والصواب الكسر، وثبت بالتخفيف والتشديد من طريق، وهي أمه وقيل أم أبيه وقيل دابته، ومعنى الدغنة المسترخية وأصلها الغمامة الكثيرة المطر، واختلف في اسمه فعند البلاذري من طريق الواقدي عن معمر عن الزهري أنه الحارث بن يزيد، وحكى السهيلي أن اسمه مالك، ووقع في " شرح الكرماني " أن ابن إسحاق سماه ربيعة بن رفيع؛ وهو وهم من الكرماني فإن ربيعة المذكور آخر يقال له ابن الدغنة أيضا لكنه سلمي، والمذكور هنا من القارة فاختلفا، وأيضا السلمي إنما ذكره ابن إسحاق في غزوة حنين وأنه صحابي قتل دريد بن الصمة، ولم يذكره ابن إسحاق في قصة الهجرة.
وفي الصحابة ثالث يقال له ابن الدغنة لكن اسمه حابس وهو كلبي، له قصة في سبب إسلامه وأنه رأى شخصا من الجن فقال له " يا حابس بن دغنة يا حابس " في أبيات، وهو مما يرجح رواية التخفيف في الدغنة.
قوله: (وهو سيد القارة) بالقاف وتخفيف الراء، وهي قبيلة مشهورة من بني الهون، بالضم والتخفيف، ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا حلفاء بني زهرة من قريش، وكانوا يضرب بهم المثل في قوة الرمي، قال الشاعر: قد أنصف القارة من راماها قوله: (أخرجني قومي) أي تسببوا في إخراجي.
قوله: (فأريد أن أسيح) بالمهملتين، لعل أبا بكر طوى عن ابن الدغنة تعيين جهة مقصده لكونه كان كافرا، وإلا فقد تقدم أنه قصد التوجه إلى أرض الحبشة، ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق التي قصدها حتى يسير في الأرض وحده زمانا فيصدق أنه سائح، لكن حقيقة السياحة أن لا يقصد موضعا بعينه يستقر فيه.
قوله: (وتكسب المعدوم) في رواية الكشميهني " المعدم " وقد تقدم شرح هذه الكلمات في حديث بدء الوحي أول الكتاب، وفي موافقة وصف ابن الدغنة لأبي بكر بمثل ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عظيم فضل أبي بكر واتصافه بالصفات البالغة في أنواع الكمال.
قوله: (وأنا لك جار) أي مجير أمنع من يؤذيك.
قوله: (فرجع) أي أبو بكر (وارتحل معه ابن الدغنة) وقع في الكفالة " وارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر " والمراد في الروايتين مطلق المصاحبة، إلا فالتحقيق ما في هذا الباب.
قوله: (لا يخرج مثله) أي من وطنه باختياره على نية الإقامة في غيره مع ما فيه من النفع المتعدي لأهل بلده (ولا يخرج) أي ولا يخرجه أحد بغير اختياره للمعنى المذكور، واستنبط بعض المالكية من هذا أن من كانت فيه منفعة متعدية لا يمكن من الانتقال عن البلد إلى غيره بغير ضرورة راجحة.
قوله: (فلم تكذب قريش) أي لم ترد عليه قوله في أمان أبي بكر، وكل من كذبك فقد رد قولك، فأطلق التكذيب وأراد لازمه، وتقدم في الكفارة بلفظ " فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنت أبا بكر " وقد استشكل هذا مع ما ذكر ابن إسحاق في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وسؤاله حين رجع الأخنس بن شريق أن يدخل في جواره فاعتذر بأنه حليف، وكان أيضا من حلفاء بني زهرة، ويمكن الجواب بأن ابن الدغنة رغب في إجارة أبي بكر، والأخنس لم يرغب فيما التمس منه فلم يثرب النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
قوله: (بجوار) بكسر الجيم وبضمها، وقد تقدم بيان المراد منه في كتاب الكفالة.
قوله: (مر أبا بكر فليعبد ربه) دخلت الفاء على شيء محذوف لا يخفى تقديره.
قوله: (فلبث أبو بكر) تقدم في الكفالة بلفظ " فطفق " أي جعل، ولم يقع لي بيان المدة التي أقام فيها أبو بكر على ذلك.
قوله: (ثم بدا لأبي بكر) أي ظهر له رأي غير الرأي الأول.
قوله: (بفناء داره) بكسر الفاء وتخفيف النون وبالمد أي أمامها.
قوله: (فينقذف) بالمثناة والقاف والذال المعجمة الثقيلة، تقدم في الكفالة بلفظ " " فيتقصف " أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر، وأطلق يتقصف مبالغة، قال الخطابي: هو المحفوظ، وأما يتقذف فلا معنى له إلا أن يكون من القذف أي يتدافعون فيقذف بعضهم بعضا فيتساقطون عليه فيرجع إلى معنى الأول، وللكشميهني بنون وسكون القاف وكسر الصاد أي يسقط.
قوله: (بكاء) بالتشديد أي كثير البكاء.
قوله: (لا يملك عينيه) أي لا يطيق إمساكهما عن البكاء من رقة قلبه.
وقوله: (إذا قرأ) إذا ظرفية والعامل فيه لا يملك، أو هي شرطية والجزاء مقدر.
قوله: (فأفزع ذلك) أي أخاف الكفار لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا إلى دين الإسلام.
قوله: (فقدم عليهم) في رواية الكشميهني " فقدم عليه " أي على أبي بكر.
قوله: (أن يفتن نساءنا) بالنصب على المفعولية وفاعله أبو بكر، كذا لأبي ذر، وللباقين " أن يفتن " بضم أوله " نساؤنا " بالرفع على البناء للمجهول.
قوله: (أجرنا) بالجيم والراء للأكثر، وللقابسي بالزاي أي أبحنا له، والأول أوجه، والألف مقصورة في الروايتين.
قوله: (فاسأله) في رواية الكشميهني " فسله".
قوله: (ذمتك) أي أمانك له.
قوله: (نخفرك) بضم أوله وبالخاء المعجمة وكسر الفاء أي نغدر بك، يقال خفره إذا حفظه، وأخفره إذا غدر به.
قوله: (مقرين لأبي بكر الاستعلان) أي لا نسكت عن الإنكار عليه للمعنى الذي ذكروه من الخشية على نسائهم وأبنائهم أن يدخلوا في دينه.
قوله: (وأرضى بجوار الله) أي أمانه وحمايته.
وفيه جواز الأخذ بالأشد في الدين، وقوة يقين أبي بكر.
قوله: (والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة) في هذا الفصل من فضائل الصديق أشياء كثيرة قد امتاز بها عمن سواه ظاهرة لمن تأملها.
قوله: (بين لابتين وهما الحرتان) هذا مدرج في الخبر وهو من تفسير الزهري، والحرة أرض حجارتها سود، وهذه الرؤيا غير الرؤيا السابقة أول الباب من حديث أبي موسى التي تردد فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق، قال ابن التين: كأن النبي صلى الله عليه وسلم أري دار الهجرة بصفة تجمع المدينة وغيرها، ثم أري الصفة المختصة بالمدينة فتعينت.
قوله: (ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة) أي لما سمعوا باستيطان المسلمين المدينة رجعوا إلى مكة فهاجر إلى أرض المدينة معظمهم لا جميعهم، لأن جعفرا ومن معه تخلفوا في الحبشة، وهذا السبب في مجيء مهاجرة الحبشة غير السبب المذكور في مجيء من رجع منهم أيضا في الهجرة الأولى، لأن ذاك كان بسبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في سورة النجم فشاع أن المشركين أسلموا وسجدوا فرجع من رجع من الحبشة فوجدوهم أشد ما كانوا كما سيأتي شرحه وبيانه في تفسير سورة النجم.
قوله: (وتجهز أبو بكر قبل المدينة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة، وتقدم في الكفالة بلفظ " وخرج أبو بكر مهاجرا " وهو منصوب على الحال المقدرة، والمعنى أراد الخروج طالبا للهجرة.
وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عند ابن حبان " استأذن أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج من مكة".
قوله: (على رسلك) بكسر أوله أي على مهلك، والرسل السير الرفيق.
وفي رواية ابن حبان " فقال اصبر".
قوله: (وهل ترجو ذلك بأبي أنت) لفظ " أنت " مبتدأ وخبره " بأبي " أي مفدى بأبي، ويحتمل أن يكون أنت تأكيدا لفاعل ترجو وبأبي قسم.
قوله: (فحبس نفسه) أي منعها من الهجرة.
وفي رواية ابن حبان " فانتظره أبو بكر رضي الله عنه".
قوله: (ورق السمر) بفتح المهملة وضم الميم.
قوله: (وهو الخبط) مدرج أيضا في الخبر، وهو من تفسير الزهري، ويقال السمر شجرة أم غيلان، وقيل كل ماله ظل ثخين، وقيل: السمر ورق الطلح والخبط بفتح المعجمة والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر قاله ابن فارس.
قوله: (أربعة أشهر) فيه بيان المدة التي كانت بين ابتداء هجرة الصحابة بين العقبة الأولى والثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في أول الباب بين العقبة الثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم شهرين وبعض شهر على التحرير.
قوله: (قال ابن شهاب إلخ) هو بالإسناد المذكور أولا وقد أفرده ابن عائذ في المغازي من طريق الوليد بن محمد عن الزهري، ووقع في رواية هشام بن عروة عند ابن حبان مضموما إلى ما قبله، وعند موسى بن عقبة " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه يوم إلا أتى منزل أبي بكر أول النهار وآخره".
قوله: (في نحر الظهيرة) أي أول الزوال وهو أشد ما يكون في حرارة النهار، والغالب في أيام الحر القيلولة فيها.
وفي رواية ابن حبان " فأتاه ذات يوم ظهرا " وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني " كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية، فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة، فقلت يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (هذا رسول الله متقنعا) أي مغطيا رأسه.

Home